الوطنُ قيمةٌ كبرى ، لا يمكنُ أن تُخْتَزَلَ في منطقةٍ أو مدينةٍ بعينِها ، أو مَذهبٍ وفِكرٍ معين ، تلكَ بِديهيةٌ غَائرةٌ في قَلبِ الوَطنيةِ ، ورُوحِ المَواطنةِ الحَقّةِ ؛ فالانتماءُ للأوَطانِ لا يَتَأتّى إلا مِنْ خِلالِ الوَلاءِ الحقيقي لأرضِهَا ، وسمائِها ، وقيمها ، وتاريخها ، وحضارتها ، وبناةِ مجدها ، والاعتزازِ بإنجازاتها ومنجزاتِ أبنَائها المخلصينَ ، الغيورينَ على مُستقبلِ أوطانهم وأمنها ؛ حفاظاً على مدخراتِهِا ومعالمها ، وما حبَاها اللهُ من خَيرَاتٍ وثرَوَات .
والرقيّ بها إلى مصافِ الدولِ والأوطانِ المتقدمةِ ، ولعلّ من أهمِ تلكَ المعاني هو إِبرازُ هوِيّةَ وثقافةَ المُجتمعِ الذي يتألفُ من نسيجهِ أيُّ وطنٍ وأيُّ بلدٍ على هذا الكوكبِ ، مهما تَعدّدَتِ الأفكارُ وتنوّعتِ المَشَاربُ ؛ فالتّنَوعُ ثراءٌ وَبقَاءٌ ، والأحَادِيةُ عَجْزٌ وسُقُوطٌ واِنْتِهَاء .
وهذا ما أولاهُ القائدُ الشابُ الطموحُ سموُّ وليّ العَهْدِ الأمِيرِ محمدِ بنِ سلمانَ _ حفظهُ اللهُ ورعاه _ كلّ العِنايةِ وبَالغِ الاهتمامِ في كلّ أهدافهِ ومشاريعهِ وخططهِ التنمويةِ والحضاريةِ ، من التركيزِ على إِبْرَازِ تلكَ الهويةِ لهذهِ الأرضِ المباركة .
فانطلق من رؤيةٍ وَاضِحَةٍ ومبدأ راسخٍ بكلّ حزمٍ وعزمٍ وإرادةٍ ، تلامسُ عنانَ السماءِ ، طُموحاً ورَغْبًة جامحةً في تَطوِيرِ وَطنهِ والارتِقَاءِ ببلادهِ إلى مُواكبةِ العَالم .
رُوحُكَ فينا وفي أرواحنا ... تَتَهادَى كالسَّنَا منكَ ضُحَاهُ .
هذا الرّجلُ بكلِّ ثباتٍ واِقتدارٍ ، اِستطاعَ في مدةٍ وجيزةٍ أنْ يَختصرَ لنا عقوداً من التغييرِ والتّقدمِ ، لمْ نكنْ نحلمُ بها حتى في قرنٍ من الزمان ، مع غيركَ يا إمامِ التجديد .
تجاوزنا بهِ ومعهُ الكثيرَ منَ المُسَلَماتِ ، والأفكارِ الباليةِ التي لا تريدُنا إلا أن نكونَ خارجَ التاريخِ ، عَصِيِّينَ على النّسَقِ البَشريِّ المُتَحَضِرِ ؛ بِحُجّةِ المُحَافَظةِ على (الهوية) التي يريدونها ، ويريدونَ منّا أنْ نتوقفَ عندها ، وكأنّ قدرَنا ألا نَبْرَحُ الفِكرِ ( الأممي) الذي عاثَ فينا رَدْحاً منَ الزمن !!!
ففي كلِّ مُقَابلةٍ أو لِقَاءٍ يصرحُ بأننا نحنُ أبناءُ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ ، هذهِ الدولةُ الضاربةُ في أعماق التاريخِ عبرَ ثلاثةِ قرون . عِشَنا معَ النفطِ وقبلَ النفطِ . دستورنا القرآنُ قبلَ الصحوةِ وبعد الصحوةِ المزعومة ...
نحنُ قبلةُ الأرضِ ومزارُ الأفئدةِ من أنحَاءِ المَعٰمُورَةِ ، فمنْ غيرِ الممكنِ أنْ نَنْكَفئ على فِكرٍ وَاحدٍ ومذهبٍ واحدٍ ، بهِ نصلُ ماضينا بحاضرنا ومستقبلنا لنحيا على منهجٍ واحدٍ يَحكمُ حياتَنا وآمَالَنَا وتطلعاتنا ، يتقدمُ العالمُ من حولنا ، ونحنُ نتقهقرُ إلى الوراءِ ؛ تمسكاً بتعاليمهِ وقواعدهِ وأصولهِ ونواقضهِ التي لا تتناسبُ مع رؤيةِ الوطنِ ولحمتهِ ، فضلاً عنِ النظرةِ الأُحَاديةِ القاصرةِ التي تحرّمُ كلَّ شيءٍ ، وتمنعُ كلَّ فنٍ ، وتجرّمُ كلّ اِختلاطٍ وانفتاح .
أدركَ حفظهُ اللهِ ورعاهُ أن طريقنا لكلِّ ذلكَ وسبيلنا لكلّ خلاصٍ ، هو خلاصنا من دينِ الأموات وتجّارِ الوهم والتّشَددِ ، دُعَاةِ التكفيرِ وتمزيقِ الوَطنِ بالتصنيفاتِ ، سنةً وشيعةً ... وكأنها جَوهرُ الوطنيةِ والديانةِ .
جاءَ محمدٌ مبدداً كلّ ذلكَ ، فلا مكانَ بيننا لفكرِ الإخوانِ المتشددِ ولا ( صحوتهم ) المشؤومةِ ، حتى مضى ومضينا ...
على الشَرْقِ نورٌ من مُحَيّاكَ يَسْطَعُ
يلُوحُ على الدنيا ( محمداً ) ويَلْمَعُ .
حتى هتفَ الشّعبُ ويهتفُ في كلّ عامٍ بذكرى بيعةِ الهدى والنورِ والانفتاح . ولسانُ حالهِم يقولُ :
نحنُ نمشي في هدى ( أحلامهِ ) ... وندركُ الأرضَ في أثرِ خطاهُ .
محمدٌ هَـذا ...
الزّعيمُ العظيمُ رأياً وهمّهْ ... قمةً فَوقَ مستوى كلّ قمّهْ .
لا ندينُ اللهَ إلا بالتنزيلِ الحكيمِ ، وما صحّ عن النبيّ الكريمِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم .
أما أحكامهم ومتعتقداتهم ...
فُلانٌ عن فلتانٍ عنْ عَلتان
هذي أقوالٌ فيها قولان .
دعْ أقـوالَ الأمـسِ وقُـل لي ..
ماذا تفعـلُ أنتَ الآنْ ؟
ماذا تفعلُ أنتَ الآن ...؟
فلهذا رَسَمَ هذا الفتى الهُمامُ للوطنِ (هويةَ) المستقبلِ في أجملِ حللها ، وأثقبِ ( رؤاها ) فأطّرَ مَعَالمَ الانتماءِ الصَادقِ ، الذي يلفظُ كلَّ معاني التطرفِ والتنابزِ بـ(الحركات) والمَذاهبِ والأشخاص ؛ فبادلهُ الشعبُ حباً بحب وولاءً بولاء ، يعتلي قممَ جبالِ الوطنِ الشاهقةِ ، وينسابُ من قلوبهِم أمواجاً كأمواجِ شطآنهِ ، التي لا تحاكي إلا أفئدَتَهم نقاءً وصفاءً ، وأصالةً لاهبةً على امتدادِ رمالهِ وصحاريهِ الشّاسِعة .
مُحَمّدٌ وأيُّ الرجالِ مثلُ مُحمدٍ ؟
ملأَ الدنيا وشغلَ قُلوبَ الشّعبِ بِوطنِهِم ، محَرّضاً هِمَمَهم للبناءِ ثم البناء ، وليس لـ(الأممية) الفارغةِ ، مُعْتَزاً بهم وبأحلامهم ، التي لا حَدّ لها إلا عَنانَ السماءِ ، كما صرّحَ ويُصّرِّحُ دائماً .
رجلٌ آمنَ أنّ من ورائهِ رجالٌ صدقوا معهُ ، فصَدَقَ إيمانهُ بهم ، فقالوا :
مَرْحَى ( محمدُ ) الهُدى مَرْحَى فقد بَلَغَتْ
آمالنا فيكَ أقصى غايةِ الكَرَمِ
جاءَ محمدٌ فانتهى زمنُ المتاجرةِ بقضايا ( الأمةِ ) وولّى وانْدَرَسَ شِعَارُ (المكارثيين) الخَلِق ، والمُزَايدةُ على حِسابِ الوطن .
وذهبَ كلُّ من كانَ يمتطي الآخرةَ للوصولُ للدنيا إلى مزبلةِ التاريخِ ... تلاحقهُ لعنةُ هذا الجيلِ والأجيالِ القَادِمةِ ؛ فالدِّينُ للهِ ، والوَطنُ للجَمِيع .
فَأيْنَ ما يُدعى ظلاماً ... يا حَبِيبَ الشعبِ أيْنَا ؟؟